الأحد، أغسطس 10، 2014

سلسلة اللحن الآلهي - الجزء الثاني






اللحن الإلهي - ٦

لنتأمل الآيات المرسومة في الآفاق ... لنتأمل كيف تشهد لله أعلام الوجود. فلا تزال الأرض تشهد على هذه الشهادة ولم تنس، المياه لم تنس، النار لم تنس، الهواء والأثير، الشمس والقمر، الحيوانات والشجر لم تنس... لا عراك بينها ولا نزاع لأجل أرض أو سلطة أو كرسي، وأنت يا إنسان لَم حلت على قلبك غشاوة النسيان؟
نسيان ... نون في البداية ونون في النهاية... شاهد معي وتأمل...
نون ... والقلم وما يسطرون.
نون (ن و ن)، نون في البداية ونون في النهاية وبإمكانك قرائتها من البداية أو من النهاية.
حرفا النون في الآية رمز لعالم الدنيا، عالم الجسد ... ولعالم الروح، عالم الصمد والمَدد. الظاهر والباطن، النسيان و الذكرى.
إنسان ... نون هي رمز لنفس لوامة بالسوء أمارة، ونون هي رمز لنفس مطمئنة في جنة الله تحيا راضية مرْضية.
نون ... نون هي النار ونون هي النور وأنت الآن في أي حال؟ شاهِد... الشهادة هي المفتاح. أنت الآن نفس لوامة؟ أم نفس مطمئنة؟ الإنسان حوى الظاهر والباطن وداخل الإنسان رقيب شهيد على الظاهر وعلى الباطن، فَشاهد أيها الشاهد.
هل تعلم أن دعوة موسى لخلع نعاله هي دعوة للتأمل؟ نِعال موسى هما رمز لعالم الدنيا وعالم المَدد. وخلْع موسى لِنعالِه هو حال الشهادة الواعية حين تخلع النْفس عنها رغباتها في هذا العالم وفي العالم الآخر فتصفو وترى بنور الله.
إخلع نعالك حتى تراني فكيف لك أن ترى الله ورغباتك وأفكارك وفلسفاتك تحتل كيانك وترسم واقعك وخيالك؟ كيف لك أن تراه وأنت غافل ترى من خلالها لا من خلالك؟...
نون ... والقلم وما يسطرون.
القلم هو الوعي الكوني كُتب بالنور المعمور فتجسد على لوح الوجود ومسرَحه عالمين ظاهراً وباطنًا. شاهد الظاهر لترى الباطن وترتقي بين العوالم دون رغبة بأي عالم من هذه العوالم بل سلام هُنا والآن في نعيم هذه اللحظة.
سوف أهمس لك يا أخي بشيء... هل تعلم أننا لسنا رجال ولا نساء؟ لسنا أغنياء ولا فقراء؟ لسنا معلمين وأطباء وسياسيين ووزراء ومحاربين وحكماء؟ لسنا أقوياء ولا ضعفاء؟ لسنا تعساء ولا سعداء؟ لسنا أقرباء ولا غرباء؟ لسنا شيوخا ولا في ريعان الشباب؟ هذا وهم العين التي لا ترى خلف الأبواب، أو العين التي ترى من خلال فكر انعدم فيه الوفاء وأعلن على الحقيقة والفطرة العداء...





اللحن الإلهي - ٧

لسنا أميركيين ولا هنود ولا عرب ولا مارونيين ولا كاثوليك ولا سُنة ولا شيعة ولا يهود ولا هندوسيين... مَن نحن إذًا؟ نحن الحقيقة، نور من أنوار الذات السرمدية الأبدية التي ليس كمثلها شيء. هي واحدة فينا، حية قائمة في كل لحظة من أيامنا وليالينا. شخصياتنا كممثلين يلعبون أدواراً مختلفة في نفس الفيلم... إنسحب من الشخصية الإجتماعية والدينية والقومية والسياسية لترى القداسة في الذات الإلهية وتفقه زيف ما نسميه بالشخصية.
كل فرد منا مُختار فجميعنا شعب الله المختار، لذا لنا حق الإختيار في أن نحيا في نعيم مع الأطهار والأبرار أو في جحيم إذا تبعنا القادة والمجتمع وحملنا الأوزار.
لو كان للوجود لسان لهمس لك بقصة الأكوان. هذه القصة التي سمعها الأنبياء والحكماء بأذن القلب وأخبرونا حكايتها بالوجدان لا باللسان. لو كان للوجود لسان لأخبرك أن الإنسان ميزان. والميزان هو الوسط، هو العدل والصراط المستقيم الذي سلكه كل حكيم. الإنسان همزة وصل بين الحيوان، بين الغريزة والبربرية والشهوة وبين سماوات لا تعرف للشهوة والرغبة والعنف عنوان، بل سلام من رب رحيم وعيشٍ في نعيم مقيم.
لو كان للوجود لسان لأخبرك أن تاريخ الأكوان مكتوب على جبينك ومطبوع في ذاكرتك ولعلِمت أنك أتيت إلى الدنيا بجسد إنسان لأن الأوان قد حان، وأصبح الله أقرب إليك من حبل الوريد لترتقي وتتعرف على حقيقة ذاتك وأنك مميز وفريد... لتتخلى عن حيوانيتك ومكرك ودهائك فأنت الآن خليفة الله وفيك تتجلى آيات من الوعي الإلهي تحوي آلاف الزهور التي ستتفتح لتصبح وعيًا سامياً أبعد من أي بُعد وكلمة ومدى وصدى.
  

اللحن الإلهي -٨

ساعد بذور وعيك الإلهي لتنمو فيحتفل بك الوجود ويباركك كما بارك مَن قبلك. الأوان قد آن لذا أنت تحمل هذه الأمانة الآن. أمانة أَبت أن تحملها الجبال، وما هي مهمة حامل هذه الأمانة؟ أن تتخلى عن ما هو دون الله وتتجلى لترى نوره فيك فتشهد وتخشع وتستسلم وتحيا إسلام الله أي إسلام النفس الشاهدة الواعية التي خشعت بحب وترحيب لا بخوف وترهيب.
إسلام عاشه النبي والمسيح وابراهيم وكل مستنير تأمل ذاته وصعد إلى غاره ودخل كهف قلبه وسمع آيات الله لا بصوت يقرَع ولا بنداء يُسمَع، فكلام الله فعل منه أنشأه، حدوث ونهر ينهر بلا نهاية.
بأمانة... هل نحن أوفياء على هذه الأمانة؟ ما الذي نفعله لتغيير ما بأنفسنا وتحويل طاقتنا من العنف إلى الحب، من الرجمة إلى الرحمة، ومن العدوان إلى الغفران؟ بأمانة... هل نسعى لتغيير أنفسنا أم نسعى لتبديل وجوهنا وادانة غيرنا لأن وجوههم لا تناسبنا؟
آه نحن نفعل أشياء كثيرة... نحن نأكل ونشرب ونذهب إلى العمل ونشتكي من الملل ونتزوج وننجب ونركض خلف رغباتنا وأموالنا ونرثي لحالنا ونسينا أن لا فائدة من أن نأسى على ما فاتنا أو من أن نفرح بما آتانا.... وما العظمة في ذلك؟ الحيوانات تأكل وتشرب وتعاشر وتنجب ثم ماذا؟ تأمل وتفكر من جديد في حكمة الإمام علي حين ُسئِل عن الخير ما هو؟ فقال:
ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر عِلمك وأن يعظُم حِلمك وأن تُباهي الناس بعبادة ربك. 
 

اللحن الإلهي - ٩

تأمل وتفكر في كل لحظة وفي كل آية حتى تحيا حال الذكر والوصل والعبادة لحظة بلحظة فما خُلق الإنس والجن إلا ليعبدون. العبادة غير العادة، العبادة هي أن ترى الله داخل نفسك ومن ثم في كل نْفس فتحترم كل مخلوق وتتقي. تأمل وتفكر...
نحن نقوم بما تقوم به الحيوانات، لذا مال بنا الميزان وعدنا إلى سالف العصر والزمان حيث النزعة البربرية والغرائز الحيوانية حكمتنا وحكمنا قادة وحكام أين هم من حكم وعدل الخلفاء، قادة وحكام هم تجسيد لبربريتنا ووحشيتنا فكما تكونوا ُيولى عليكم.

ألا بذكر الله تطمئن القلوب لا بكثرة المال، وبذكرى نعيم النفس في جنة الله تسكُن وتهدأ النفوس لا بكثرة العيال
الإنسان يحمل الأمانة لأن وحده الإنسان يملك وعيًا وعالماً أكبر انطوى واستوى فيه ليعرف الله، ليعرف ويشعر بنبض القداسة الإلهية في كهف قلبه وحتى في مسارات جسده. وحده الإنسان يملك وعيًا قادراً على أن يعي الساكن داخل جسده وفي كل جسد فيعلم أنه لازال في جنة الله ولم يغادرها يومًا وكيف له أن يغادرها وكل ما حوله ذكرى تذكره بها؟
أين ستذهب ونفسك هي الذكرى الأولى... ذكرى ترافقك في الخلاء والملاء والليل والنهار والإعلان والإسرار وفي السراء والضراء.... وعَيك هذا على حي قيوم يحيا فيك وفي كل مخلوق، في كل زهرة وشجرة وطير يجعل قلبك يسبح، يسبح بنشوة وتقوى لا بالكلام، يسبح في كل مكان لمعبود في كل زمان.... ويجعل ِذكرك واعيًا
شاهدًا مثل النَفس لا يفارقك لحظة والا تموت... وأكثرنا أموات وللحق كارهون.


اللحن الإلهي - ١٠

السعادة ..
تسألني عن السعادة... وما هي السعادة؟ إن ما نعرفه بإسم السعادة هو اللذة الجسدية والمادية. المال والجنس والعيال والحفلات والسهرات. أغنياء وفقراء جعلوا اللذة غاية مقاصدهم وظنوا أن في منالها راحتهم و البؤس إلى بابها جَذبهم.... ثم ماذا؟ هل انتهت معاناة الإنسان؟ إسألهم بنفسك فأنا سألتهم قبلك... أغنياء وفقراء، أتقياء وتعساء ... الجميع يشعر بأنه في بلاء وأن الحياة عسر شديد وهٌّم مديد وماذا عن الأموال والقصور والزواج والبنيان الذي تطاولنا به حتى طال وهز بنيان وميزان الإنسان؟ هذه هي اللذة ... واللذة صديقها الألم وبعد اللذة ألم، وبعد الليل نهار وبعد الموت ولادة وأموالك وبنيك أعداء لك ولا نهاية لهذه الدائرة. اللذة تعتمد على وجود الآخر في حياتك فهو مصدر لذتك ومصدر تعاستك. الآخر نعيم وجحيم، يوم عسل ويوم بصل ودوام الحال من المحال. أما السعادة......
إسأل أهل الذكر عن السعادة وكل ذاكر وقانِت وحكيم ورحيم. إسأل من ذاق حلاوة محبة الله فلم ُيِرد لها بَدلا. من حل في نفسه صمتًا أزليًا أفنى فيه كل رغبة وشهوة وحب دنيوي ثم أفناه، وفجأة انهال عليه مجهول من سماوات أو نبع في داخله مجهول رفعه فوق سماوات، لا فرق فهو داخلنا وخارجنا وفي كل مكان. إجلس بجانب هذا الإنسان واشعر بسلامه وطمأنينته واشعر بحضرة من آنس وحشته. هذا الإنسان يعلم الآن أن انطوت فيه الأكوان، أن لا يشمله حد ولا يحسبه عد.
في الواقع علِم هذا الإنسان أن لا وجود له وأن من يسكنه هو من لم يلِد فيكون مولودا ولم يولد فيصير محدودا. علِم أن من يسكنه ويسكن كل ذرة حوله وفوقه وتحته هو من سبق الأوقات كونه والعدم وجوده والإبتداء أزله.