السبت، أغسطس 09، 2014

سلسلة اللحن الإلهي - الجزء الآول


سلسلة اللحن الإلهي ..





مقدمة :
فاعلم ياأخي أنك من القلائل المُوفقين للوقوف على كلماتٍ تتحدث عن عمق العرفان والعشق الإلهي. وتشرح المقامات السبعة ابتداءً من الأدنى وهي الطعام والسيطرة والجنس، وانتهاءً بالأعلى وهي القلب والصلاة والبصيرة والتنوير. ويؤسفني أن أخبرك أن أكثر من ٨٠٪ من الناس تعيش وتموت وهي في المقامات الدنيا، ومن يصل إلى التنوير لايتجازوا ١٪
إن هذه السلسلة لاتُعد دروساً روحانية فحسب، بل تتحدث عن جميع جوانب حياتك الأسرية، الجنسية، الاجتماعية، الدينية، العلمية، العملية والنفسية. يُمكنك ومن خلال هذه السلسلة أن تقفز بوعيك ٧٠ نقطة على الأقل على مقياس هاوكنز للوعي إن فتحت قلبك لهذه الكلمات. إن شهِدت صعوبة في فهم المُحتوى، فتقبل مرحلتك. ازرع بذرة النية في قلبك، ودعها تأخذ مسارها تجاه النور الإلهي، ويوماً ما حتماً ستصل .
ولكي يسهل الرجوع لكل مقام وقصة وموضوع، فقد جعلت منها سلسلة حسب المحتوى والموضوع مع بعض التنسيق في المحتوى حسب مايناسب المقام .
 الكاتب / محمد المنسف .. 
مدونة محيط في قطرة .. 



اللحن الإلهي -١
البداية ..

حليفُ الحب في الليل ساهرٌ يناجي ويدعو والمغفل يهجع .. وهذا الخلق ما بين نائمٍ ومُنتبه في ليله يتضرع !
أخي الإنسان ...
سلام من روحي إلى روحك وكل روح تتقي وتشفع ، سلام ومناجاة لكل قلب يرى ويسمع وكل عيٍن تدمَع ونفْس على باب الله تقَرع ..
سلام مسافر من روضة السلام دون حاجة لجواز سفر وهوية واثبات شخصية والى طول الكلام . أسألك ولا أريد جوابك بل أن تسأل حالك ، إلى أين المنتهى؟ من أين أتيت ولماذا وُلِدت؟
من أنت؟ لا أريد جوابك فأنا أعلم من أنت ... لا لأني أعرف إسمك أو لونك أو طائفتك أو لقبك ... لا أهتم للألقاب والطوائف والمذاهب والألوان، أنا أهتم بالإنسان. أنا أعرف من أنت لأني بدأت بالتعرف على نفسي ومن عرف نفْسه عَرف كل نفْس.
لنا يا أخي نفس من معَدن الحب صيغَت، وكل فاٍن في هذه الدنيا فدَاها، حتى نتعرف عليها ونرتقي ... ليس العُلى لمن طلب عِلم الدنيا، إنما العُلى لِمن تعرف على نفسه الطاهرة فانشرح صدره وطال صبره وحل السلام في نفسه و زاد غناها وتقواها.
إنما الُعلى لمن عرف أن الدنيا وهماً صاغه عقلُه وأسَكَنه من منازل الكون أدناها، فطلب من الله أن يزيده علماً وأدبًا حتى يرتقي ويسْكن من منازل الكون أعلاها.


 اللحن الإلهي -٢
 
كنتُ ميتًا يا أخي، أدور وأدور، أعبر البحور بحثاً عن مصدرٍ للنور ولم أعلم أن النور بذرة زرعها الله في تربة قلبي ...
حين عرفت صحوت وتعرّفت، رويت تربة قلبي وانتظرت موعد الحصاد ... صرتُ حياً وأنا أشاهد ثمار الألوهية تنمو بداخلي والبداية كانت تربة قلبي. نعم، القلب هو الكهف وبداية رحلة الحج. وما الحج سوى رحلة طويلة على دروب حياتنا... رحلة نمشيها ونعرف فيها من نحن .
سألتني متى أعرِف أني على درب الله أسير؟ ستعرف حين يحين الوقت... تابِع المسير...
على درب رحلة الحج ستجد دروباً بالذهب والمال زينها أصحابها، دروباً بالورد فرَشها خلانها، ودروباً بالراحة وعدَك أعلامها. لا تُغرك المشاهد، تابع رحلتك وشاِهد. ومتى بلغت درباً ليس له هدف، متى بلغتَ درباً أعادَك لذاتك، لنقطة الصفر، للمكان الذي بدأتَ منه رحلتك، متى بلغْتَ نفْسك ونظرْت إلى كل نْفس واعيًا شاهدًا تقيًا خاشعًا فاعَلم أنك الآن وصلْت فأهلاً وسهلا بك.
وستعلَم... ستعرف وتقول قد كنت ميتاً فصرتُ حيًا، وعن قليل يصير جسدي ميتًا... لستُ خائفاً من الموت فالموت صديق لمن عرف نفْسه وأتم رحلة حجه من فكره لكهف قلبه فجنة روحه. الموت صديق لَمن بنى لدار البقاء بيتاً.
سألت نفسي ذات يوم دون أن ألقي عليها اللوم، عن ما حدث... وأتاني الجواب الذي لم أجده في مدرسة أو جامعة أو كتاب، بل هَمس صمته في قلبي وأجاب: هي الغفلة. وما هي الغفلة؟
 

اللحن الإلهي -٣
الغفلة هي نسيان الذكرى. وما هي الذكرى؟ هي مشهد الحق الذي شهَدت عليه أرواحنا جميعًا. مشهد في دار الحق شهدْنا عليه، أننا جميعاً أولاد النور...
نور السماوات والأرض... وأننا جميعاً اخترنا أن نمشي هذه الرحلة لنذكر هذه الذكرى ونتذكر. نسينا هذا المشهد الذي جمَعنا ووحَدنا فاختلفنا. اختلفنا فحل الليل والنهار والعلن والإسرار والذاكر والغافل والعاقل والجاهل. تحت هذه المظاهر واحد باطن ظاهر. الذكرى هي أن تذكر وتتذكر الباطن لتراه في الظاهر.أن تذكُر مُبدِع الَورى فيسري في عروقك يقيناً يقيك الهم والعنا.

تريدني أن أحدثك بَعد عن الذكرى؟ آه... هل سمِعت يوماً حكمة فذكر إن نفعت الذكرى؟
هي ذكرى رحيم العالمين أبَدع أرواحنا من نوره وحين نتعرف على أرواحنا نرى َمن لا تدركه الأبصار. حين نتعرف عليها نتلقى معارفاً ولطفاً واحساناً ونوراً يعمنا. نرى ألوهيته تنهر في الوجود المقدس فيُقدّس نفوسنا من الهوى ونسلَم من علة الأنا، وتخشع قلوبنا تحبُّبا ويرتفع في السماوات قدرُنا لا في المجتمعات حيث الكرب والضنا.

نسيت ولم تذكر الذكرى؟ لا تشعر بالذنب ... شاهد وسوف تتذكر وحين تتذكر الله يذكُرك، فالله يا أخي له لطف خفي يعلو خفاه عن فهم الذكي، ألم ترى اليُسر دوماً بعد العسر يأتي؟ ففرج عن قلبك الشجي ، و كم من مرة أسأتَ صباحاً وأتتك المسرة بالعشي؟
 

  اللحن الإلهي -٤

الحمدلله أن علم الفيزياء الحديث قدم شيئاً مفيداً واكتشف أن الكون ذبذبات من نور... علماء الدنيا استفاقوا من الغفوة على هذه الصحوة بعد أن أتعبوا الدنيا وأتعبونا باكتشافات لم تهتم إلا بجسد الإنسان وأنفه وصدره وشفاهه ووجهه...
الحمدلله والعلم عند الله إن كان هذا الإكتشاف باب نعود لندخل منه علم علماء الروح و أولوا الِعلم الذين شهدوا على هذه الحقيقة من آلاف السنين.
الحمدلله أننا من خلق الله. الحمدلله أننا ذبذبات نور إلهي شفاف ساكن كل ذرة َحَوتها الأكوان... نفخ فينا الروح وهو روح وَوعي أبدي سرمدي.
أنا وأنت تجسيد بديع لهذه الروح الإلهية وانتبه فالمخلوق ليس مفصولاً عن خالقه... الخلق عملية إبداعية ... تمدد لروح سرمدية تحتفي بجمالها وقدرتها وتتجسد بأشكال لا تُعد ولا تحصى. الخالق هو جوهر الخليقة والخليقة هي جوهرة وحاوية السر الإلهي.
هل تعلم أن الخلق غير الصنع؟ هل صنعك الله أم خلقك؟... لماذا تقول خلقني الله ولم يصنعني؟
حين ترى عاملا وهو يصنع طاولة، أتراه ينفخ ِمن روحه فيها؟ أترى ذاته تتمدد لتسكن هيكل الطاولة فتُحييها؟ أترى بينهما وصلا؟ أترى الحنين ينبض في لب الطاولة فتبدأ رحلة بحثها عن صانعها؟ لا... هذا لا يحدث... أترى صانع الشيء يريده دون أن يضمُره؟ أو أنه يقول لمن أراد كونه كُن فيكون؟ لا... هذا لا يحدث... الصنع عكس الخلق فهل عرفت الفرق؟
الفرق أن العامل يستعمل أدوات خارجية لصنع الأشياء ولا يستخدم ذاته الداخلية ولا قطعة من جسده، أما الخالق فلا يستخدم سوى ذاته، ينفخ من روحه ... يتمدد ليتجسد فيستوي وينطوي في معبد الجسد آية تراها عين الحكيم والعليم.


  اللحن الإلهي - ٥

ستقول لي أن الجسد من تراب؟ وما هو الرب؟ والأحسن أن نسأل ما هو الوجود؟
أخبرتُك بأنه ذبذبات من نور السماوات والأرض، هو جزء من الله تجسد لتراه العين فتذكر وتسبح روح ما تجسد وما لم يتجسد (الظاهر والباطن). إذاً التراب وكل حبة رمل في جوهرها هي من نور الله.
وذات الله ليست ما نفهمه عن الذات. هي الفناء، هي غياب الشيء المنظور وظهور ما تخشع له النفوس دون أن تدركه الأبصار. هي حالة من نشوة الإحساس حين يصحو ما هو أبعد من كل الحواس. حالة ترى فيها نور أزلي، وتتعلم من عالِم أبدي، وتحيا مع حي أحدي وتكون مع موجود سرمدي.
تحت ظلال هذه الحقيقة السامية، ومع نسيم رحمتها العليل هل تجدني عنك بمختلف؟ أم أننا روح واحدة تجسَدت بجسدي وجسدك وكل جسد؟ هل أبعدَنا وفرقنا وهْم السياسة والطائفة واللقب؟ أم أننا أخوة في الله نسكن ذات البيت المقدس؟ بيت الله ... ونتنفس ذات النفَس ونتشارك ذات الهواء؟.... إنها شهادة التوحيد:
الوحدانية "وحدانية الله وحده لا أحد غيره في الوجود"، ومنها إلى التوحد "وحدة داخل كيان الإنسان حين تحل عليه نعمة العرفان ويعي أنه جزء من الله وليس بجسد وفكر واحساس"، ومنها إلى الوحدة "وحدة بين العالمين، الإعتصام بحبل الله لأن البشر أجمعين من الله وبالله وفي الله والى الله". إنها حقًا الشهادة.
الشهادة الحق هي حالة من الوعي التجاوزي تُسِدل على وجودك صمتاً لحنه شديد العذوبة، لأنك تعلم حينها بأن لا سبيل لشرح حقيقة الله إذا مثلته، ولا لوصف معناه إذا شبهته، ولا للإشارة إليه إذا استعملت فكرك تعبيراً عنه فتوهمتُه.
الشهادة حالة من الوعي تصبح معها عالمًا بحالاتك، عارفا بسرائرك ونياتك... ترى فيها أن لا جدوى من حاجاتك وتتجاوز حسناتك وسيئاتك وتعي الحكمة من جميع زلاتك وتسامح من رجَمك ومن خاَنك ولا تندم على ما فاتك. الشهادة هي حالة أنت معها شاهد على أحوال حياتك حتى بعد مماتك ... شهادة أبدية أهداك الله عبْرها سبيل نجاتك.