الحكاية أن هذا الصديق اختار أن يمشي الطريق بعيداً عن أعلى رفيق، الرفيق الأعلى... وهذا حالنا جميعًا. شفاهنا تقول أنها بالله ترغب وبالدنيا تزهد، أنها تريد الله وتبحث عنه لكن قلوبنا تنبض بعكس هذا الكلام، تنبض بأننا لا نزال نخشى الله ولا نريد لقائه... أنه لا زال عندنا أحلام وآمال وأوهام لم نشبع من ملاحقتها بعد.
ومن هنا تولد الأعذار كما ولِدت حكاية صديقنا الذي ابتعد عن الله بسبب رجل دين. ليس هذا هو السبب ولكن أعذارنا تدعو للعجب... للدهشة لأنها جزء من لعبة الأنا والعقل من جديد للإبتعاد عن الله وكل ما هو قيم ومفيد. أنا وأنت السبب في بُعدنا عن الله، وحكاياتنا أعذار توهمناها، وقصص ألفناها وألِفْناها حتى نظل في العتمة ولا نرى النور أبدًا. ولكن ما هذه المقاومة الموجودة داخلي وداخلك وداخلنا في وجه معرفة الله؟
السبب بسيط... وجودي ووجودك ووجودنا هو العائق الوحيد في وجه معرفة الله... وكيف لنا أن نواجه الله ونحن لا نزال نرتدي نعالنا ولم نخلعها بعد؟ أين سنجد الله ونحن لانزال نبحث عن أحلامنا ونجري خلف طموحاتنا وننتظر أن تتحقق توقعاتنا وأن تزيد في البنوك أموالنا؟ السبب بسيط...
آمالنا وأحلامنا وتوقعاتنا ترسم في المجتمع هويتنا وشخصيتنا وبدونها نحن لا شيء، بدونها لا نعرف وجوهنا، بدونها من أنا ومن أنت؟ سُلبنا هويتنا وانتمائنا وقوميتنا وأسمائنا وألقابنا فَمن نحن بدونها وأين نحن؟ سأقول لك من نحن بدونها وأين نحن...
بدونها نحن أنا وأنت دون تعليب، دون أكاذيب... بدونها أنا أنت وأنت أنا فلا أحد في هذه الدنيا غريب... بدونها نحن لا أحد وفقط حين نكون لا أحد سنعرف من هو الواحد الأحد... هذا هو معنى الخشوع والإسلام والإنمساح بالله...
وحده هذا الحال، هذا التوجه خاشعاً بعد أن انحنت وتنحت أحلامك ورغباتك وطموحاتك فأفْرغت منها كأسك فاسحاً المجال لذاتك حتى تسمع الله يقرع بابك، هو السبيل لفنائك حتى تلقى الله أو حتى تفهم أن لا وجود إلا لله فحتى اللقاء الموعود فيه غيابك وحضور الله الودود... إما حضورك وغياب الله أو غيابك وحضور الله فماذا تختار؟ حضورك الواهم؟ أو غيابك الخاشع؟ الأمر سهل وبسيط ولكنه لمجتمعاتنا وفلسفاتنا وثقافاتنا وسياساتنا خطير وَوقْعَه على النفوس مرير.
اللحن الإلهي-٢٢
بين المعرفة والعِرفان ..
سألتني يا صديقي عما يعبر عن وهم حقيقي يحياه الإنسان فيظن أنه مَلك بين يديه ما لم يملكه نبي أو حكيم أو مستنير، رغم أن الحكاية هي العكس، فجميعهم استسلموا وخشعوا بين يديه، وسلموا معرفتهم وأنفسهم قربانًا إليه. سألتني يا صديقي أن أخبِرك عن الله أكثر. أنت تريد أن تعرف عن الله المزيد ونسيت أن معرفة الله لا تعرف القليل ولا المزيد. نعم، بإمكانك أن تعرف الله لا أن تعرف أكثر عن الله... كلمة (عن) هي رمز لحاجز وجودي كبير بينك وبين الأكبر من كل كبير. قد لا يرى الناس فرقًا بين أن أعرف الله وبين أن أعرف المزيد عن الله. لا يا أخي فالفرق كبير.
هو الفرق بين المعرفة والعرفان. أن تجمع معلومات عن الله، أن يخبرك غيرك بمعلومات عن الله، هذه هي المعرفة، معرفة عن الله. أما أن تعرف الله، أن تختبر الذات الإلهية، فهذا هو العرفان.
لنأخذ الحب مثالا... قد تذهب إلى جميع المكتبات وتجمع عن الحب مواضيع ومعلومات، شروح وتفسيرات، أشعار ومناسبات وبعد؟ ما الفرق بينك وبين من ذاق حلاوة الحب ومرارته ومعاناته ولذته ونشوته؟ فرق شاسع كما الفرق بين أرض وسماء.
أنت تعرف لكنك لم تختبر والإختبار سبق الكلام. التجربة خير دليل وبرهان. التجربة هي للإيمان عنوان.
التجربة تلغي المعرفة لذا تجد من عَرف ربه من الأنبياء والحكماء والأولياء، جميعهم يقولون حين يسألون بأنهم بعد أن اختبروا عرفوا شيئاً واحداً وهو أنهم لا يعرفوا شيئًا.
العرفان يلغي المعرفة، وعلى درب الله ستتعلم كيف ترمي كل ما عرفته وتعلمته أثناء رحلتك... بل سترميه وحدك، فعطشك سيخبرك أن المعرفة لن ترويه. وحدها التجربة تُنِعش كيانك وتُحييه.
قال أحد الحكماء بأنه عن الله بَحث وبَحث وبَحث دون أن يجده... ظل يبحث حتى ضل الطريق. وفجأة حدث ما لم يكن في الحسبان... حدثت المعجزة ووجَده حاضراً حين كان هو غائبًا. وجَده حاضراً حين غابت آماله وأمانيه في أن يجده. لم يجده إلا بعد أن زالت رغبته في أن يجده. الرغبة والأمل والحلم هي للعقل هوية، معها يولد المستقبل وتتكون الشخصية ونتوه في بحر المعرفة دون أن نعرف حقًا. عَرف لمن تعرف، عَرف لمن استسلم أي أصبح فناءً تمامًا كقطرة الماء حين تذوب وتتحلل في المحيط... فقط حين تذوب في المحيط تلاقيه ليس قبلا... فقط حين تسلم نفسها قربانًا له تتوحد به... ذوبانها، وفقدانها لهويتها هو خشوع وزهد وتوُّحد يوِرثالعرفان... ستحيا نقطة الماء في المحيط بعد الفناء لكنها تعلم أنها في المحيط دون
أن تعرف ما هو المحيط، تحياه وتلقاه دون أن تشرح وتفسر معناه. وهكذا الحال مع الإنسان. لن يكون موجودًا ليقول أنا أعرف الله لذا قال الحكماء عرفنا شيئًا واحدًا وهو أننا لا نعرف شيئًا. من الذي سيعرف؟ غاب العارف ورحلت المعرفة... غاب الشاهد ولم تب َق سوى الشهادة على ما يحيا.
الحضرة الإلهية لن تحدث لمن تمسك بنفسه وممتلكاته الشخصية... الحضرة الإلهية لمن بدأ رحلة حج داخلية فذاب وتحلل على درب رحلته... بعدها سيجد نفسه بين أحضان الأنوار الإلهية... وتذكر إما حضور الله أو حضورك أنت... حضرتان لا تلتقيان... إما الله واما أنت، إما التجسد أو الفناء فلا مجال للقاء. ومتى اخترت الله فأنت استسلمْت... استسلمْت وسلمْت بأن لا وجود إلا لله وهذا هو سر شهادة لا إله إلا الله.
اللحن الإلهي-٢٣
ألوان قوس قزح السبعة ..
في الصباح، إفتح شرفتك وتأمل ألوان قوس قزح السبعة... أنظر لها، هي رمز لك فنْفس الإنسان خلَقها الرحمن سبع مقامات بينها اختلافات وتكاملات. تكاملاتها تحوي الجمال واختلافاتها تحوي السؤال... وما هو السؤال؟ هل بالإمكان أن يحقق الإنسان قدره ويحيا خليفة لله على الأرض؟ هل سيتعرف على نفسه وأسرارها حتى يعرف ربه وحكمة الوجود ويدخل جنة الله منتشيًا بين نخيلها، شجِرها وأزهارها؟
الإنسان ألوان، مقامات ونوتات... كل مقام نوتة، كل مقام آلة موسيقية تعزف لحنًا فريدًا وحيدًا ومنفردًا... التدين يعني أن تسمع كل آلة وتفهم صوتها وتحترم إيقاعها وتفقه دورها ومن ثم توحد آلاتك جميعًا لتعزف بها... لتخلِق بها لحنًا واحدًا... لحنًا تعزفه جميع الآلات... صوت واحد فلا أصوات مختلفة بل أصوات متناغمة مكتملة توحدت واتحدت لتعزف سيمفونية اللحن الإلهي.
حال الإنسان الآن هو حال سبع آلات كل واحدة منها تعزف عزفًا منفردًا، لحنًا يخالف أخاه والخلاف يولد الجفاف... جفاف الفن والإبداع فتختفي سيمفونية اللحن الإلهي ويولد الخوف والصراع.
الإنسان مشروع وقَدر لم يتحقق بعد... الإنسان لحن لم ُيعَزف بعد... الكلب حقق قَدره، الشجرة عزفت لحنها والشمس تحيا مجدها. لكن الإنسان... الإنسان لم يحقق قَدره ولم يعزف لحنه ولم يحيا مجده بعد.
هذا سبب عميق للخوف والقلق الذي ينتاب نْفس كل إنسان، للهاجس الذي ُيلاحق كل إنسان. هو السبب العميق وأي سبب آخر فمجرد وادي وا ِهم وسحيق أبعد الإنسان عن جذور خوفه وسبب آلام نفسه. ما أصل الخوف والقلق والصراع إذاً؟ هل سأحقق قدري؟ هل سأعزف لحني؟ وهل سأحيا مجدي؟ هذا هو السبب الحقيقي.
وحده الإنسان يحيا القلق لأنه في الوسط، لأنه همزة وصل، لأنه الجسر. جسر يصل عالم الحيوان بعالم الألوهية، البيولوجيا بالذات السرمدية الأبدية، النفس اللوامة الأمارة بالسوء بالنفس الخاشعة المطمئنة.
الحيوانات تحيا في سعادة دون أن تعي معناها، سعيدة دون صراع أو خوف أو صداع. والله هو السعادة... السعادة الواعية... السعادة في أرقى صورها وأوج حكمتها. والإنسان بينهما جسر... جسر لتعبر عليه النْفس من الفكر والمادة إلى الإحساس والحدس ثم إلى الروح. الإنسان يتأرجح بين حيوانيته وألوهيته وبين الحيوانية والألوهية قلب يخفق، قلب هو رمز للبشرية. بين الحيوانية والألوهية، إنسانية.
الإنسان يتأرجح ويسأل أكون أو لا أكون؟ أظل عبدًا للشهوات والمطامع أم أُصبِح نْفسًا قنَعت وارتضت وسلمت وأَنِست بحضرة الله الجامع؟
لِقوس قزح سبعة ألوان تحاكي سبعة مقامات موجودة داخل نْفس الإنسان. يولد الإنسان وهو يحيا المقامات الثلاث الأولى فهي حيوانية، وظيفتها الطعام والسيطرة والجنس ولكنها مجرد بداية... بداية الرحلة. إذا اختار الإنسان أن ينمو ويكُبر ويبني على هذه المقامات الثلاثة بيتًا ويسكن فهذا خياره، فقد اختار أن يحيا حياة الحيوان الذي لا يعقل ولا يعي معنى وسر وجوده. هذه غفوة في حق نفسه، هفوة ستحرمه من تحقيق قَدره وقَدر الله المكتوب يعني ما عناك الوجود أن تكونه. قَدر الله هو أن تتابع المسير وأن لا تكون لحياة الحيوان أسير حتى تعزف لحنك الإلهي بوعي ومحبة وضمير. هذه الهفوة منبع الجريمة وتُربتها التي تنمو وتنُبت فيها ومنها. فمتى ارتكب الإنسان هذه الهفوة بحق نفسه فسيرتكب هفوات وأخطاء في حق الآخرين.
نرى في مقامات عالم الحيوان أن الطعام هو الأدنى والجنس هو الأعلى... الطعام هو الأدنى فالإنسان الفائق الشهية المهووس بالطعام الذي يحيا لأجل أن يأكل ويشرب هو الأبعد عن عالم الألوهية. يحيا لأجل أن يأكل ويشرب... لا هدف ولا معنى ولا يوجد في أفق روحه مرمى يوجه أنظاره إليه ويحدق في أسراره ويتَّجه إليه.
اللحن الإلهي- ٢٤
المهووس بالسلطة يلي المهووس بالطعام مقاماً وهنا أعني رجل السياسة ورجال المال والأعمال. أعني من سخر حياته لأجل السيطرة على الناس في حياته وحتى بعد مماته، ولكن لماذا؟... عقدة النقص هي السبب، وحب إثبات الذات يدفع بالإنسان لِفعل العجب. فيسعى ليثبت أنه أعلى، أنه متفوق وأذكى... يسعى لوضع الناس في مكانها الصحيح على الرغم من أنه لم يضع نفسه في مكان صحيح. هذا الإنسان رمز للأنا وانسان هذا المقام يسعى في كل اتجاه بحثًا عن السلطة والأمان. يسعى خلف المال ليختزنه فيشعر بالقوة ويخفي عجْزه.
يسعى خلف القمة فيمشي ويمشي وما أطول الطريق وما أبعد مثل هذا الإنسان عن أن يكون له صديق، وحده يمشي الطريق حتى يصل وحده القمة ويعتليها وبعد... ماذا بعد القمة؟ قمة أخرى؟ بعد القمة خيبة أمل وشعور بالوحدة والمَلل... ضاع العمر بحثًا عن القمة والشهرة والسلطة ثم ماذا؟ هل ظل الشباب وقاَوم الكهولة؟ هل عرف سبب مجيئه لهذه الدنيا أَم حَمل مزيدًا من الِوزر وأثقال الحمولة؟... ثم ماذا؟
إكتشاف بأن القمة وهْم ولِعب، لهو أغشى البصر...
الجنس يلي هذا المقام... الجنس هو المقام الثالث في الإنسان فالجنس أعلى من الطعام وِمن لعبة السلطة والمجد والأوهام. لماذا؟ لأن الجنس مشاركة...
في الطعام أنت تأكل فتشبع، في السلطة أن تمتلك الناس والمال والجاه ولا تقَنع ولا تشبع، لكنك في الجنس تشارك الشريك بما لديك. الجنس هو الأعلى مقاماً في عالم الحيوان والناس في يومنا هذا بَنت بيوتها في مكانٍ ما بين هذه المقامات الحيوانية الثلاثة.
المقامات الثلاثة الأولى حيوانية، المقامات الثلاثة الأخيرة إلهية وبين الحيوانية والإلهية وسط، جسر هو البشرية، هو الإنسان... بين الحيوانية والإلهية مقام اربع، مقام القلب... والقلب يعني الحب. الحب هو جسر يصل الحيوانية بالألوهية، الشهوة بالصحوة. الإنسان الذي لم يحيا الحب وارتضى بالعيش تحت مقام القلب لم يِعش إنسانيته بعد، لم يهجر حيوانيته بعد... والإنسان الذي يحيا فوق مقام القلب هو من تجاوز الحب، تجاوز إنسانيته ليصب نهر وجوده في بحر ألوهيته حيث قدره وجنته. هذا الإنسان هو كل حكيم ونبي ومستنير عزف في هذه الدنيا لحنه الأخير.
يبدأ الحب العادي الذي يخفق به القلب بالتحول إلى حب تأملي يرتقي به الكيان حين يحيا الإنسان في المقام الخامس... مقام موت الأنا واستسلامها... قبلها كانت العلاقة أنا والشيء، أنا وحب الإمتلاك، وبعدها أنا وأنت مع احتمال السيطرة ومانراه اليوم بإسم الحب من تملك وامتلاك. أما الآن فلا أنا ولا أنت بل الحب بيننا....
حب هو أقرب إلى الصلاة منه إلى الأشعار والحب الذي نقرأ عنه في الروايات، ومع المقام السادس يتحرر الحب من سجن العلاقات ويحلق في ذات الإنسان التي انطوى فيها العالم الأكبر ليصبح حالة وجود. أنت لا تُحِب الآن لأن الحبيب موجود، أنت تحب لأنك الحب وليس بإمكانك سوى أن تُحِب، وبعدها بخطوة أنت في منزلك الذي حَلمت وتوهمت أنك هجْرته دون أن تهجره، الذي ابتعدت عنه دون أن تغادره، في المقام السابع أنت في قلب الله والله في قلبك... لقد وصَلْت فأهلاً ومرحبًا بك...
اللحن الإلهي- ٢٥
ستجد رموز هذه المقامات في العديد من الأديان... قصة الله الذي خَلق الوجود في ستة أيام... هذه الحكاية جميلة فيها ستة أيام ترمز لمقاماتنا الستة واليوم السابع في المقام الأخير، حين يعود الإنسان بعد رحلة حجه إلى نفسه، إلى جنة الله، حين يلاقي وعيه الصغير الوعي الإلهي الكبير فيعلم ما هو سر التوحيد ويشهد أن لا وجود إلا لله وأن الله أكبر.... عند مقام الراحة الأخير ستعي الله حقيقة مطلقة، لا رمزاً أو كلمة فارغة من أي محتوى. ستعي الله حقيقة مطلقة وليس كلمة أتعبتها ألسنة رجال الدين والسياسيين حتى فقَدت معناها وَمرماها. ستعي أن الله في قلبي وأنا (ليست بالأنا) في قلب الله.
آه أيها الشاهد وما هو المقام الخامس؟ رمز المقام الخامس...هو الإستسلام والسلام فعند المقام الخامس تموت الأنا ويوجه الإنسان وجهه حقًا
إلى ربه فاطر السماوات والأرض. والمقام الخامس هو لصلب الأنا عنوان، للإستسلام حتى تكون مشيئة الرحمن. عند هذا المقام (مقام الحنجرة والنطق بالحق) قال الوحي للرسول إقرأ وبدأ بتبليغ الرسالة... عند هذا المقام يبدأ الوجود بعزف لحنه الإلهي لتسمع الصمت والصدى والمدى.
أيضًا تجد لا إله إلا الله محمد رسول الله. سبع كلمات تبدأ من (لا) أي النكران، (لا) هي عدم الراحة في غابة الشهوات والغرائز الحيوانية وتنتهي ب(الله) أي العرفان، (الله) أي الراحة في واحة النعمة الإلهية... سبع كلمات تجسد سبع حالات وسبع سماوات تمر بها نفس الإنسان من الجهل إلى الحكمة، ومن النقمة إلى الرحمة. للأسف لم يذهب العلماء بعيدًا في أسرار نصوص الدين وظلوا يشرحون ويفسرون بالأفكار والعقول لا بما هو أرقى وأنقى وأسمى، يحاولون شرح الحقيقة الكونية وتفسيرها بالمنطق، والحقيقة تعدت وتجاوزت كل منطق...
(لم يلِد ولم يولد)، هل تجد لمنطقك أو منطق أرسطو قيمة بعد أن تسمع هذه الآية؟ َ
لماذا إذًا نستمر في محاولة فهم أسرار الدين بأفكارنا وتحليلاتنا وتخيلاتنا وعقدنا وتعقيداتنا؟
تُخبرنا الحكاية بأن الله خَلق المادة والطيور والحيوانات وغيرها في خمسة أيام وفي اليوم السادس خَلق الإنسان... خَلق الرجل... ثم خَلق المرأة في اللحظات الأخيرة من ذلك اليوم. هذه الحكاية تفوح منها الِعبَر ومن يفهَمها يجد طريقه للتدين والهداية. لماذا كانت المرأة هي المخلوق الأخير في الوجود؟ هي النهاية؟ فما مغزى هذا الرمز الديني إذًا؟... المغزى جميل... المغزى أن المرأة هي رمز للرجل في أصفى حالاته، في أعلى مقاماته وأرقى أحواله... طاقة الأنثى هي طاقة الصعود وطاقة الذكر هي طاقة الهبوط لذا فهذا الرمز هو محاولة لإفهامنا أن المرأة هي طاقة أعلى من طاقة الرجل. طاقة المرأة من الأرض إلى السماء وطاقة الرجل من السماء إلىالأرض... الرجل أكثر ميلاً للفكر والمادة والشهوة، المرأة أكثر ميلاً للمحبة والحدس والرحمة، لذا فحين يبدأ الرجل طريق التدين، حين يسلك دروب الدين ويرتقي بطاقته، حين يرتفع مقامات ومقامات ليحلق فوق سماوات سيتحول الفكر إلى حدس، والشهوة إلى محبة والعدائية إلى رحمة وهذه الصفات هي صفات المرأة.
الرجل يعني المنطق والعدائية والإرادة والفلسفة وحب الفعل... المرأة تعني الحدس والخيال والرؤية والشِّعر وحب التلقي، تلقي الحب والإهتمام والجمال وهذه الصفات في ميزان الوجود أعلى وأرقى وأنقى.
المرأة أكثر انسيابًا وليونة، الرجل أكثر جفافًا وصعوبة. الرجل يُصارع الوجود، يريد أن يحتل الوجود لذا تجد العلم الحديث في أصله نتاج فكر ذكوري. الرجل يحاول الإعتداء على الطبيعة، احتلالها وسَلْبها جمالها وبهائها. أما المرأة فلا تعتدي ولا تُحارب أبدًا...
للأسف نجد العلماء قد سلكوا الدرب المعاكس لحكمة الميزان، ميزان الإنسان. الجميع فسر الرمز الديني من وجهة نظر ذكورية، فحاولوا إظهار الرجل بأنه الأكثر أهمية وحاولوا إجبار المرأة على الخضوع له فكبتوا طاقاتها وأسرارها الروحية لأجل إشباع أهواء الرجل وغرائزه الحيوانية.
المرأة هي المخيلة والرجل هو الإرادة... المخيلة تولد بعد أن تستسلم الإرادة فتتحول الطاقة من عدائية إلى تلقي، من حرب وقتال إلى محبة وجمال، من غضب وعدوان إلى رحمة وغفران...
في هذه الحكاية رسالة... رسالة مغزاها أن طاقة الذكر ستتحول إلى طاقة أنثى في طريقها صعودًا على الدرب الإلهي، صعودًا عابرةً المقامات السبعة... عند المقام السادس على الإرادة أن تريد شيئًا واحدًا... الإستسلام، على الإرادة أن تنحني وتستسلم ليتلقى الإنسان علوم وأسرار الأكوان، على المنطق أن يستسلم للمحبة. وعلى النقاش والتحليل والتفسير أن يستسلم للحدس والإحساس. الآن لا صراع بين العبد وربه، بين طاقة الإنسان وطاقة الأكوان، الآن لتكن مشيئتك والآن هو الإنمساح والسلام والإسلام الحق....
لهذه الحكاية رسالة... رسالة مغزاها إحترام صفات الأنثى، تقديرها والبحث في أبعادها وأسرارها.



.jpeg)
